الحصن واد عميق يحول بينه وبين نزول العساكر عليه، ويمنع القتال له، فردمه بالشجر العظام والعيدان الطّوال والحجارة والتراب، إلى أن ساوى الأرض، ونصب عليه المنجنيقات، وقاتله ونقب فيه نقوبا، وطرح الفصيل وبعض الأبرجة، وفتحه قهرا بعد منازلته إيّاه ثلاثة عشر يوما. وكان فتحه يوم الأربعاء أول كانون الأول سنة 1343، وهو النصف من ذي الحجّة سنة 422، وأسر منه ثمانمائة وعشرة أنفس، منهم حرمة نصر ابن مشرّف وأربع بنات له، وجماعة من أهله. وكان هو قد خرج عن الحصن عند ورود العسكر.
[القطبان يحرق حصن أفامية]
وألقى القطبان بعد أن ملك الحصن النّار في ذلك الوادي الذي ردمه، فاحترقت الأخشاب التي فيه، وتكلّست الحجارة. وعمّر بذلك الكلس ما تخرّب من الحصن، وأوثقه، وحرّر الوادي، وأشحن الحصن بالرجال والعدد والميرة، وانصرف عنه. وعبر بحصن بنكسرائيل وخاطب أهله في تسليمه إيّاه، وأن يطلق من أسره من حصن المنيقة من حرمهم وأهاليهم ووعدهم بالإحسان إليهم، فأبوا وتجلّدوا، فانصرف عنهم لما نال أهل العسكر من التعب وقوّة الشتاء، وتواعدهم بالعودة إليهم، وتوجّه نحو أنطاكية.
وكان أهل حصن أفامية يجمعون جموعا في ضيعة كبيرة آهلة في عملهم تعرف بجريرين ويغيرون منها على ما يليهم من بلد الروم، فعدل القطبان إليها في طريقه، وقصدها في جماعة انتخبهم من العسكر، وسبى منها جماعة كثيرة وأحرقها.
[القطبان يسلّم جريرين لنصر بن صالح وتضرّر أهل أفامية بذلك]
ثم دخل أنطاكية ورسم لنصر بن صالح صاحب حلب بالقبض على جريرين المذكورة، فأضافها إلى عمله وبلاده، وامتثل ما أمره به، واستضرّ أهل حصن أفامية بخروجها عن أيديهم ضررا عظيما [1].
... [1] قال ابن الأثير في حوادث سنة 422 هـ: «في هذه السنة ملك الروم قلعة أفامية بالشام. وسبب ملكها أنّ الظاهر خليفة مصر سيّر إلى الشام الدزبري، وزيره، فملكه، وقصد حسّان بن المفرّج الطائي، فألحّ في طلبه، فهرب منه، ودخل بلد الروم، ولبس خلعة ملكهم، وخرج من عنده وعلى رأسه علم فيه صليب، ومعه عسكر كثير، فسار إلى أفامية فكبسها، وغنم ما فيها وسبى أهلها، وأسرهم، وسيّر الدزبري إلى البلاد يستنفر الناس للغزو». (الكامل في التاريخ 9/ 420). -